إن الحمد لله نحمدة ونستعينه ونستغفرة ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا الله وحدة لا شريك له المشكور بكل الجوارح والأركان والمحمود بالقلب واللسان والمعبود في كل الأزمنة والأوطان لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء.
خلق الإنسان وسواه ثم اختاره لحمل الإمانة واصطفاه فجعل السعادة لمن أطاعه وثبته على الحق والطاعة فعاش عيش السعداء ومات موت الشهداء أما من عصاه فلا يجد إلا الضيق والشقاء فعاش عيش الأذلاء ومات موت الجبناء كأنما يصعد في السماء...
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه الله بالإسلام ليخرج الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديان ليسلكوا طريق الأنبياء فيعيشوا بذلك سعداء فكان بمثابة الكوكب الدري الذي يضئ في الفضاء خير من مشى على الأرض وعرج في السماء0000 الذي خاطبه ربه فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا "} [الأحزاب46:45] ثم أمر المؤمنين فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما} [الأحزاب:56].
صلى الله عليه وعلى آل بيته الطيبين الأنقياء وعلى أصحابه المجاهدين الأتقياء وتابعيهم بإحسان من الصالحين و الصديقين والشهداء وعلى جميع مشايخنا من الدعاة والعلماء.........
أما بعد:
فهذه مجموعة كلمات تحوي الكثير من الفوائد والعظات كتبتها بقلبي واعترف أني كثير السيئات ولكني أعقل من أن أترك النصيحة بسبب تقصيري وزلتي:
لئن لم يعظ العاصين من هو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمد؟!
فكلنا ذو خطأ.... لذا فلا نضاعف هذا الخطأ بترك النصح والتوجيه
من ذا الذي ما أســاء قط *** ومن له الحســـنى فقط؟
لذا أوجه هذه الكلمات إلى كل من يبحث عن السعادة من الشباب والفتيات والى الآباء والأمهات وكل من ضاقت به الدنيا فلا يجد للحياة طعما ولا يرى لها لونا ولا يشم لها رائحة فاختلطت عليه المفاهيم والحقائق فلم يدرك معنى السعادة.
ولا يعرف حقيقة الالتزام فوجد الضيق والهموم والآلام والغموم فارتفعت بذلك الأنات والصرخات من قلة الحسنات ووفرة السيئات وكثرة السقطات و ذهبت الألفاظ والعبارات وبقيت الدموع والعبرات.
فصار يتساءل......، لماذا خلقنا؟ أين السعادة؟ ما هو الحل؟...ما هي الغاية؟ وهنا تجد الحل في طريقين ليس لهما ثالث وداعيين لا يفارقونك وأنت الثالث طريق أخره الجنة ومفتاحه القلب السليم وطريق آخرة النار ومفتاحه القلب السقيم وهذا الأخير له دعاة من الذين يتبعون الشهوات.
ويريدون تضليل الشباب والفتيات ليضيعون الأوقات بالجلوس أمام الشاشات ويعرضون لهم الأفلام والمسلسلات وأبطالها الكاسيات العاريات لتنتشر الفضائح والزلات.فيجلسون أمامها بالساعات وناهيك عن تلك الأغنيات التي يسمونها بالكليبات وبعضهم لا يعرف كثيرا عن هذه الزلات لكنه لما جلس أمام القنوات تعلم الدخان والمخدرات وشرب الخمر والمسكرات وقارف المعاصي والمنكرات.
ونسي أنه سيموت ثم لا يضمن الثبوت حتى يوضع في قبره فلا تسمع له خفوت فيقف أمام ذي العزة والجبروت.فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى الا ما قدم وينظر أمامه فلا يرى الا النار.....
كل حي سيموت ليس في الدنـيا ثـبوت
حركات سوف تفنى ثم يتـلوها خفـوت
وكـلام ليس يحلو بعـده إلا السـكوت
أيها السـائر قـل لي أين ذاك الجـبروت
كنت مطبوعا على النطق فما هذا الصموت
ليت شـعري أ همود ما أراه أم قـنــوت
أيـن أملاك لهم في كـل أفـق ملكـوت
زالت التيجان عنهم و خلت تلك التخوت
أصبحت أوطانهم من بعدهم و هي خفوت
لا سميع يسمع القـول و لا حي يصـوت
عمرت منهم قبور وخلـت منهـم بيـوت
خمدت تلك المساعي وانقضت تلك النعـوت
إنـما الدنـيا خيال باطل سـوف يفـوت
ليــس للإنسـان فـيها غـــير تقـوى اللـه قــــوت
ولا تكون النهاية عند الموت إذًا لارتاح كل من فارق الحياة ولكن:
ولو انا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا اذا متنا بعثنا ونسأل بعدها عن كل شئ نعم. بعد الموت قبر وبعد القبر بعث وبعد البعث حشر وبعد الحشر حساب وبعد الحساب ميزان وبعد الميزان صراط وبعد الصراط إما جنة وإما نار..
أما والله لو علم الأنام لما خلقو لما هجعوا ونامـوا لقد خلقو لأمر لو رأته عيون قلوبهم شاخوا وهامـوا ممـات ثم حشر ثم نشر وتوبيـخ وأهـوال عظـام ليوم الحشر قد عملت أناس فصلوا من مخافته وصاموا ونحن إذا أمرنا أو نهينا كأهـل الكهف أيقاظ نيـام.
هذا ما يريده الذين يتبعون الشهوات "أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}{البقرة:221} والطريق الثاني يدعوا إليه الله جل وعلا:
{وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا} {النساء:27}.
دعوة للتأمل:
تأمل أخي صورتك.... قف مع نفسك لحظة...
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك:
من الذي خلقك على هذه الصورة ومن الذي عدلك هذا التعديل :{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}(التين:4) العينان في الوجه والأنف بينهما واليدان في الجانبين والرجلان من أسفل،،، كيف لو أن عينًا نبتت لإنسان في ركبته؟!
أو يدًا ظهرت في رأسة؟!
أو أنفًا في ظهرة؟!
فسبحان من خلق فسوى وقدر فهدي.....
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(لقمان :11 ).
أنظر إلى صورتك وأنت من الناس فتقول سبحان الله...
ثم تعال معي واقرأ قوله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(غافر:57)فتجدها تحلق بك في السماء الدنيا التي فيها الشمس والقمر والكواكب والنجوم وهذا كله في مجرة واحدة من العديد من المجرات.........
وكل هذا الفضاء في سماء واحدة فكيف بسبع سماوات طباقا؟!
فتقول يا الله! ما أعظمك!
فمن أنت حتى تعصى الجبار جل جلاله؟!
ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك، وأطعمك من رزقه وسقاك، وإذا سألته، أعطاك وحين عصيته ما جفاك، بل تاب عليك وهداك، وكنت ضعيفا فقواك، وكنت مريضًا فشفاك... فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال...........أإله مع الله..
وكأني أسمعك تقول بالطبع لا.
ولكن أخي لسان حالك يقول غير ذلك. انظر إلى عملك؟ أأنت عبد لله أم عبد للدرهم أم للخميصة أو عبد للهوى.
أفرأيت من اتخذ إلهه هواه.......
أرأيت بالإنسان يدعى للصلاة يقـول تبـًا للـذي نـاداه.
أسمعت بالإنسان يفطر عامدًا شهر الصيام! أما يرى عقبـاه؟ أو ما ترى الإنسان يكفر جاحدا بالله؟ عجبا ما الذي أغراه؟..
"ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين؟"
كلما تأملت عظمة الخالق كلما تبين لك ضعفك فكيف تتجرأ عليه؟!
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67].
فما الذي غرك بربك الكريم وما الذي خدعك وأغراك {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}{عبس23:17} المعنى الحقيقي للسعادة:
فإذا عرفنا الأشياء التي تجعل العبد يغتر بربه وينخدع بالدنيا الزائلة وتجنبناها عرفنا المعنى الحقيقي للسعادة التي من أجلها خلق الإنسان والتي جاء بها القرآن ودعا إليها خير الأنام فالسعادة الحقيقية في اتباع ما أمرالله لأنه سبحانه قد جعل الذل لمن عصاة وكتب العزة والسعادة في الداريين لمن أطاعة لأنه ما خلقنا إلا لذلك فانظر الى المخترع الذي يصنع جهاز أو آلة مثل الثلاجة فهي لا تصلح الا لتبريد الطعام والشراب.
واذا استخدمناها في غير ما صنعت اليه لا نجد نتيجة الا التعب والمشقة فهل يصلح استخدامها كدولاب للملابس أو كرف لحمل المستندات........ فهذا لا يعقل، لا نجد إلا المشقة والتعب وكذلك المصباح هل يصلح استخدامه ككرة قدم! أو يصلح استخدام السيارة لتعبر بها البحر! أو استخدام السفينة لتمشي على البر؟!
إنه أمر طبيعي لا يختلف فيه اثنان ولا ينكره عاقل وما اعتقد انه يخفى على الجاهل (أن كل شئ لا يصلح إلا لما صنع له).......
فكيف بك تستخدم نفسك في غير ما خلقك الله من أجله...؟ أتبغي بعد ذلك سعادة!
كلا....
لا يكون ذلك الا بالطاعة وعبادة الله وهذا ما خلقنا الله من أجلة يتضح في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ).تأمل معي هذه الآية العظيمة الفوائد، فما خلقنا لنلعب ولا لنلهوا ولا لنأكل ولا لنشرب ونتزوج ونتكاثر.......
نحن نحتاج الآن الى إجابة قاطعة لسؤالين،، لماذا نحيا؟ ولماذا نموت؟ انما نحيا لنعبد.وإنما نموت لنحيا، هذه هي الحقيقة التي تخفى على كثير منا فالسعادة ليست بالمعاصي والشهوات وأقصد بذلك سعادة الدنيا والآخرة فلا يجد العصاة طعم السعادة أبدا وأضرب لك مثال على ذلك دولة من بلاد الغرب كالسويد مثلا- عليهم من الله ما يستحقون - تجد نسبة حالات الإنتحار مرتفعة جدًا.
وفي نفس الوقت مستوى دخل الفرد مرتفع ولا يعانون مما نعاني من الفقر وسوء الأوضاع وكل شئ مباح هناك من زنا وخمور وكل ما تتخيل من الإباحية وما يسمونها الحرية بزعمهم فإذا كانوا سعداء حقا ما فكروا في الانتحار ولا التخلص من حياتهم وقس على هذا حال هؤلاء العصاة من المسلمين.
ولكن السعادة الحقيقية في تحقيق معنى العبودية لله، السعادة الحقيقية لا تكون إلا بذكر الله أما هم يمتعون سمعهم بالألحان والأغنيات ويمتعون بصرهم بالعاريات الساقطات ويمتعون بطونهم بشرب المسكرات أما السعادة الحقيقية في الحياة والمستمرة بعد الممات محلها القلب.
العلاقة بين القلب.وسعادة الإنسان:
فالقلب هو ملك الجوارح..، إذا كان سعيدا تكون الجوارح سعيدة واذا كان شقيا فتشقى بذلك بقية الجوارح وأشار بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)رواه البخاري ومسلم.
لذا فقضية سعادة الإنسان متمثلة في راحة القلب..، فكيف يستريح القلب؟!
نجد ذلك في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28].
فلا راحة ولا طمأنينة للقلب إلا بذكر الله؛ نعم.، لا سبيل لغير ذلك.. فالله تعالى خلق القلب وجعل غذاؤه في ذكره فإذا رأيت أخي ضيقًا في صدرك فاعلم أنك قصرت في ذكر الله ولأن هؤلاء العصاة بعيدون عن ذكر الله إذًا لا يجدون السعادة أبدًا بل يجدون الضيق والشقاء في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:124].
فهؤلاء العصاة يأكلون ويتمتعون ولكنهم كما قال الله جل وعلا:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}[محمد:12]
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
فالسعادة الحقيقية في ذكر الله... الذي يجلي القلوب كما قال ربنا:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الأنفال:2].
وأيضًا قوله في سورة ق: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37].
فالذكر سهم موجه للقلب فإذا أخطأ القلب فلا حياة لهذا القلب..نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح قلوبنا وينفعنا بذكره.
الكاتب: محمود بن محمد صالح الخير